
العرائش تستعيد مجدها البحري في لقاء علمي أكاديمي يعيد لمرساها وهج التاريخ ودفء الذاكرة

في مساء يوم السبت 01 نونبر الجاري،الدافئ بنسيم البحر، وبين جدرانٍ تحفظ ذاكرة المقاومة والتحرير ،وحين يلتقي البحر بالذاكرة ويحتفى بتاريخ المكان ، لبت مدينة العرائش نداء التاريخ والوفاء، فجمعت أبناءها وأصدقاءها حول الكلمة والمعرفة، احتفاءا بتاريخٍ لا يشيخ ومجد لا يزول.
في فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير، التأم نخبة من الباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي في لقاءٍ علمي أكاديميّ مميز، احتفاءً بإصدارٍ جديد يضيف لبنةً صلبة في بناء الوعي بتاريخ المدينة، وهو الكتاب الذي حمل عنوانا بقدر ما هو علمي، هو أيضا بوح بالانتماء:
“مرسى العرائش خلال العصر الحديث (1556م – 1860م): القرصنة والتجارة والدبلوماسية”
من تأليف الأستاذ الدكتور إبراهيم الشهيمي، الذي كرس سنوات من البحث الدؤوب لاستجلاء صفحات مطوية من تاريخ المرسى العريق.

اللقاء نظم بمبادرة من النيابة الإقليمية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بالعرائش، وبتعاون وتنسيق وثيق مع مؤسسة القصبة للنهوض بالتراث الثقافي للمدينة العتيقة، وبدعمٍ من مجلس إقليم العرائش وجماعة العرائش، تخليدا للذكرى 50 لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، و استحضارا للذكرى 336 لمعركة الفتح الإسماعيلي للمدينة سنة 1689م، في مبادرةٍ تهدف إلى تثمين البحث الأكاديمي في خدمة الذاكرة الجماعية وترسيخ الوعي التاريخي لدى الأجيال الجديدة.
تفتحت الكلمات في مستهل اللقاء كأزهارٍ من الاعتزاز، فقدمت الأستاذة الدكتورة فتيل اللباب برنامج الأمسية، قبل أن تتعاقب كلمات السادة الرسميين الذين عبّروا بصدقٍ عن اعتزازهم بتاريخ العرائش ودورها في حفظ الذاكرة الوطنية.
تحدث السيد عبد الحكيم الأحمدي، رئيس مجلس إقليم العرائش، عن ضرورة دعم البحث الأكاديمي ليظل التاريخ رافعةً للهوية والتنمية.
أما السيد عبد العزيز المروني، النائب الإقليمي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، فقد ذكّر بأهمية التوثيق العلمي في صون الذاكرة الوطنية.
تلاه السيد محمد شكيب الفليلاح الأنجري، رئيس مؤسسة القصبة للنهوض بالتراث الثقافي للمدينة العتيقة، الذي شدّد على التلازم بين الثقافة والتراث كجسرٍ بين الماضي والمستقبل ،مؤكدا على المكانة الرمزية للمدينة في الوجدان الوطني، وكيف ظلّت على مرّ العصور حارسًا للبوابة الأطلسية للمغرب.
بعد الكلمات الرسمية، أبحرت الجلسة العلمية في عمق التاريخ، يديرها باقتدار الدكتور مصعب الحسن التيجاني، الذي أضفى على اللقاء انسيابية فكرية تشبه انسياب نهر اللوكوس حين يعانق البحر.
تعاقب على منصة النقاش أساتذة أجلاء، من أبرزهم الدكتور جعفر بن الحاج السلمي الذي مهّد بمداخلة رصينة رسمت الخطوط الأولى لتاريخ العرائش، ثم الأستاذ عزيز قنجاع الذي فتّش في الوثيقة التاريخية بين النظرية والمنهج، فقرأ الكتاب بعينٍ نقديةٍ فاحصة.
أما الدكتور إدريس شهبون، فقد عاد بالذاكرة إلى مرحلة الاحتلال الإسباني والاسترجاع المغربي، مستحضرا بطولاتٍ صنعت مجد المدينة، في حين أضاء الدكتور طه الشمل الدكتور الشهيمي.ومن زاوية العلاقات المتوسطية، تناول الدكتور زين العابدين زريوح دور العرائش كجسر تواصل بين المغرب والضفة الأخرى، ليختتم الدكتور نبيل الطويهري المداخلات بمقاربةٍ شاملة حول المرسى كواجهة بحرية استراتيجية في تاريخ المغرب الحديث.
ثم جاء دور صاحب الكتاب، الأستاذ الدكتور إبراهيم الشهيمي، الذي حمل الحضور في رحلةٍ بين الأرشيف والذاكرة، بين رياح الأطلسي وصفحات الوثائق، مستعرضًا معالم بحثٍ امتد سنواتٍ من التنقيب والدراسة. تحدث عن العرائش لا كمدينة فحسب، بل كرمزٍ للسيادةوللمخاضات التي عاشها المغرب في علاقته بالبحر والعالم. كانت كلماته امتدادًا لموج البحر حين يروي قصصه للضفاف، واعترافًا بأن الموانئ ليست مجرد أحجارٍ وأسوار، بل كائنات حية تنبض بالتاريخ وتتنفس بالهوية.
وفي تصريح للأستاذ محمد عزلي خصّ به آفاق 24، قال:
كان اللقاء ثريًّا بالمداخلات العلمية وبالأسماء الوازنة التي أضاءت تاريخ مدينتنا المجيدة، لكن أكثر لحظاته دفئًا وغبطة بالنسبة إليّ كانت عند تكريم الصديق العزيز عبد الحميد بريري؛ رجل صادق العطاء، محبّ للعرائش، لم يتعب يومًا من خدمتها والدفاع عن تراثها وهويتها الثقافية.
كل التقدير والامتنان لجمعية مؤسسة القصبة على هذه الالتفاتة الجميلة وعلى هذه الوجبة العلمية القيمة.
العرائش تزداد بهاءً حين تحتفي بأبنائها الأوفياء.
كل التقدير والامتنان لجمعية مؤسسة القصبة على هذه الالتفاتة الجميلة وعلى هذه الوجبة العلمية القيمة.
العرائش تزداد بهاءً حين تحتفي بأبنائها الأوفياء.
وبعد نقاشٍ غني ومثمرٍ جسد عمق العلاقة بين البحث الأكاديمي والوجدان المحلي،رفعَ الستار على دعوةٍ صادقة بضرورة إحداث متحف بحري بمدينة العرائش يخلّد تاريخها البحري ويعيد الاعتبار لذاكرتها الجماعية، على أن يحتضنه فضاء حصن الفتح السعدي بعد استكمال ترميمه، كرمزٍ لوحدة المكان والزمان، ولتاريخٍ لا
يزال البحر شاهده الأول والأبقى.

واختتم اللقاء في أجواءٍ من المودة والفخر، امتزج فيها عبق التاريخ بنبض الحاضرين، وكأن العرائش أرادت أن تقول، على طريقتها الهادئة والعميقة، إنها ما زالت ” رغم كل التحولات ” مدينة البحر والذاكرة، وواحدة من الصفحات اللامعة في كتاب المغرب الكبير.



